العناوين الرئيسية

رغما عن أن اللغة العربية تشهد في عصرنا الحالي تراجعا في الإقبال على تعلمها, واهتماما بتعلم اللغات الأجنبية, إلا أنها لا تزال تحتل مكانة متقدمة بين كل لغات العالم.

ويمكننا القول إن اللغة العربية أفلحت في تحقيق انتشار “كتابي/ خطي” أكبر بكثير من الانتشار الصوتي, فلقد أفلحت العربية في أن تكون “لغة الكتابة” لأكثر –إن لم يكن كل- الدول التي فتحها المسلمون وحكموها لفترة طويلة, وذلك لأن تغيير لغة الكتابة في مجتمعات أكثرها “أمي” ولا يكتب فيها إلا قليل, أمر يسير, وخاصة إذا كانت هذه اللغة هي ما سيُكتب به في المكاتبات “الحكومية”, فكانت عملية استبدال وإحلال بين شريحة ضيقة من أفراد الشعب

بينما كان الحال مختلفا مع اللغة المنطوقة, حيث بقيت بنسبة كبيرة اللغات المستخدمة/ المتكلمة كما هي, مع تطعيم كبير بكثير من المفردات العربية اختلفت نسبتها, تبعا لقرب هذه البلاد من البلاد العربية أو بعدها, وتبعا لعدد العرب الذين هاجروا واستقروا فيها.


ولهذا أصبحنا نجد بعض الدول التي تبنت العربية خطا وحديثا مثل دول العالم العربي, وأخرى تبنتها خطاً فقط, وحافظت على لغاتها المتكلمة, وستكون هذه اللغات التي كتبت بالخط العربي هي محور حديثنا في هذا المقال. ونظرا لكون الحروف العربية تُكتب في الكلمات بشكل متصل, جعلها مرنة وقابلة لاكتساب العديد من الأشكال, وهو ما برع الخطاطون في إيجاده وتزيينه, حتى وصل الحال إلى أن الكلمات العربية أصبحت قابلة لأن تكون مرسومة, وكثيرون يتعلمون اللغة العربية بسبب جمالها الخطي هذا, والذي لا يكاد يوجد إلا فيها.ولنا مقال سابق عن ترتيب الحروف العربية تتمكن من قراءته من هنا



ارتباط اللغة العربية بالقرأن

غني عن الذكر أن اللغة العربية تعتبر لغة “دينية”, لارتباطها بالقرآن/ الإسلام, ولهذا اهتم أكثر المسلمين من الجنسيات والقوميات الأخرى بتعلمها, حتى يستطيعوا قراءة القرآن, وكذلك قراءة الكتب الإسلامية بلغاتها الأم, وذلك لأن المترجم دوما كان قليلاً!

ويمكننا القول –والفخر- إن الحرف العربي –تبعا لعدد الدول المستخدمة له- هو ثاني أكثر أنظمة الكتابة استخداما, بعد الحرف اللاتيني, أما إذا حسبناها تبعا لعدد المستخدمين فإنه يحل في المرتبة الثالثة بعد الحرف اللاتيني والمقاطع الصينية (والتي هي رموز وليست حروفا), ووصل عدد اللغات التي تُكتب بالحرف العربي إلى أكثر من خمس وعشرين لغة.

اهم اللغات التي تٌكتب بالأحرف العربية

ونبدأ حديثنا بذكر عدد من اللغات التي كانت تُكتب بالحرف العربي, ثم بعد ضعف السيادة السياسية والثقافية تحولت إلى حروف تلك البلاد, فمثلاً كان أهلا الأندلس –المستعربين- يكتبون لغتهم الإسبانية أو البرتغالية بالحرف العربي, وكانت هذه الكتابة تُسمى ب “الأعجمية” أو ما ALjamia عُرف بالإسبانية ب”الخمي” (نطقهم لل: أعجمي):

وحتى بعد اندثار دولة المسلمين في الأندلس ظل الموريسكيون (مسلمو الأندلس من أهل البلاد الأصليين), والذين أجبروا على عدم الكلام باللغة العربية, ظلوا لفترة طويلة يكتبون أشعارهم الإسبانية بالحرف العربي.

فإذا انتقلنا إلى إفريقيا وجدنا أن اللغة السواحيلية كانت تُكتب بالحرف العربي حتى بدايات القرن العشرين, ولكن بعد احتلال بريطانيا لتنزانيا وأجزاء من إفريقيا –بعد الحرب العالمية الأولى- عملت على جعل هذه الشعوب تكتب لغاتها بالحرف اللاتيني.

ولغة الهاوسا –لغة دولة النيجر- تُكتب بالحرف العربي, إلا أنها تُكتب كذلك بالحرف اللاتيني.

ومعروف للجميع أن الامبراطورية العثمانية –تركيا حالياً- كانت تكتب بالخط العربي, حتى بدايات القرن العشرين, حتى جاء أتاتورك وحول الكتابة إلى الحروف اللاتينية, وكان مسلمو الصين كذلك يستخدمون الحرف العربي لكتابة لغتهم الصينية التي تحدثنا عنها مفصلا في مقالاتنا السابقة .

وكانت اللغة الأويغورية تستخدم الحرف العربي, إلا أنه تركته وتحولت إلى الحرف اللاتيني في عام 1969, إلا أنها عادت مرة أخرى إلى استخدام الحرف العربي في عام 1983.

المخارج الصوتية في الحروف العربية


ونود الإشارة إلى أن الحروف العربية رغما عن أنها غطت قدرا كبيرا من المخارج الصوتية إلا أنها لم تغطها كلها, ولهذا وجد العرب لدى الشعوب المفتوحة, والذين انتموا إلى عائلات لغوية عديدة, حروفا غير موجودة بالعربية, وكذلك كان لدى العرب حروفا غير موجودة لدى هذه الشعوب, ولهذا اضطر أبناء هذه الشعوب إلى استحداث طريقة كتابة مختلفة لبعض الحروف العربية, للإشارة إلى هذه الأصوات واختلافها عن “قريبتها” العربية.

فإذا أخذنا اللغة الفارسية كمثال, وجدنا أنهم ينطقون بعض الحروف العربية بشكل مختلف, فحرف العين مثلا ينطق ألفا: علي/ ألي, وحرف الضاد ينطق زينا: رضا/ رزا, كما أن الفرس أضافوا أربعة حروف للغة العربية وهي: گ، پ، ژ، چ. هذا بالإضافة إلى أن “الفرس” حوروا الخط العربي وأوجدوا ما نعرفه ب “الخط الفارسي”, وجدير بالإشارة إلى أنه ثمة لغات/ لهجات تابعة للغة الفارسية, مثل الكردية, والطاجيكية (في دولة طاجيكستان) وكذلك: اللغة الدارية والمستخدمة في أفغانستان.

ومن اللغات المكتوبة بالحرف العربي اللغة الكردية, ويمكن القول إن هناك ثلاث لهجات رئيسة للغة الكردية, وهي: الكورمانجي والسوراني والبهلواني, وبين هذه اللهجات تُكتب اللهجة السورانية بالحرف العربي, بينما يُكتب “الكورمانجي” بالحرف اللاتيني (من يعيشون في تركيا, وكذلك سوريا من الأكراد), كما تُكتب اللغة التُركمانية بالحرف العربي.

ومن اللغات التي تستخدم الحرف العربي في الكتابة كذلك: اللغة الطاجيكية, وهي اللغة الرسمية لدولة طاجيكستان, (ويستخدم كذلك الحرف اللاتيني), ولا تقتصر هذه اللغة على دولة طاجيكستان, وإنما تتعداها إلى مناطق في دول أخرى مثل إيران وأفغانستان وأوزبكستان وروسيا بل والصين.

اللغات المكتوبة بالأحرف العربية

انتشار الحروف العربية في أسيا وافريقيا

وغني عن الذكر أن الحرف العربي حقق انتشارا واسعا في آسيا بين العديد من الدول أكثر من إفريقيا, ومن اللغات التي استخدمته في آسيا: اللغة الكازاخستانية, وهي كما يبدو من اسمها مستخدمة في دولة كازاخستان, بالإضافة إلى مناطق من إيران وأفغانستان بل والصين.

(وسيلاحظ القارئ ظاهرة التداخل اللغوي الموجودة في منطقة وسط آسيا, فنجد العديد من اللغات المتشابهة والمتداخلة والممتدة في العديد من الدول)

ومن اللغات التي تُكتب بالحرف العربي –وبالحرف اللاتيني كذلك- اللغة الجاوية, وأكثر مستخدميها موجودون في إندونيسيا وماليزيا (ويستخدمها أكثر من 100 مليون نسمة). وكذلك تستخدم في كتابة اللغة القرغيزية, إلا أن مستخدمي هذه اللغة قلة قليلة.

وكذلك تظهر اللغة العربية في دولة باكستان, فنجد أن اللغة الأردية –وهي اللغة الرسمية الأولى للبلاد- تستخدم الحروف العربية, كما تستخدم اللغة البلوشية –وهي المستخدمة في منطقة بلوشستان الباكستانية- وكذلك في أجزاء من إيران وأفغانستان, تستخدم الحرف العربي في الكتابة.

وبين اللغات الهندية العديدة وُجد عدد من اللغات التي كُتبت بالحرف العربي, من أهمها اللغة الأردية –والتي تُعرف بالهندستانية الشمالية- (لذلك من يتكلم الأردية يستطيع فهم الهندية سماعا وليس كتابة), كما كُتبت اللغة الكشميرية بالخط العربي, وكذلك اللغة السندية, وأيضا اللغة الدكنية, وكلك اللغة الملاقية (الملقية) لغة الملايو –والموجودة في شبه جزيرة: ملقا), وكذلك في اللغة البنجابية, والمستخدمة في إقليم بنجاب.

ويمكن للمهتمين باللغات المكتوبة بالخط العربي الرجوع إلى الكتاب الرائع: انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والعالم الغربي, ل: عبد الفتاح عبادة, وسيجدون فيه المزيد من التوضيح والتفصيل. كما أرجو أن يستغل القائمون على الأمر في دولنا العربية باستغلال هذا السبق “الثقافي” والمتمثل في استخدام الحرف العربي عند هذه الشعوب في تقوية العلاقات السياسية والاقتصادية بيننا وبينهم.

شارك على مواقع التواصل
Share on facebook
Share on twitter
Share on linkedin
Share on pinterest
Share on print
Share on email
مقالات شبيهة